هروب الفتياة ليلة الزفاف أسباب و مشاكل


أطلت برأسها في المجتمع العربي أخيراً، ظاهرة هروب الفتيات من منازلهن، واليوم يظهر لنا حدث مشابه لهذه الظاهرة، لكن الهروب هنا ليس من المنزل، لكن من ليلة الزفاف، أو ليلة العمر، التي تحلم بها كل فتاة، فما هي الدوافع الحقيقية لهروب هؤلاء الفتيات، ورفضهن لليلة العمر الحالمة؟.

في البداية تخبرنا، عبير حزام (23 سنة)، اختصاصية في صعوبات التعلم لدى الأطفال، عن قصة هروبها من خطيب رائع كما وصفته!، وتقول: «قبل خطبتي كنت أحب رجلاً ارتبطت معه بقصة حب جميلة عفيفة، لكن للأسف لم يكتب لهذه القصة الاستمرار بسبب الظروف الاجتماعية التي تمنعنا من الارتباط ببعضنا بعضاً، فأبعدت احتمال الزواج منه إلى الأبد، لذا لم أكن أمانع من استقبال الخطاب لي، فتقدم لي شاب في منتهى الروعة، وذو أخلاق فاضلة، وعلى مستوى عال من التعليم، وبالفعل تم عقد قراني عليه من دون أي تردد مني، لكن بعدها بدأت أشعر بضيق لارتباطي به، وكلما اقترب موعد الزفاف كنت أختنق وأكتئب، لدرجة أنني تحدثت مع والديّ لفسخ عقد القران، لكنهما رفضا أشد الرفض، بحجة أن الرجل جيد، ولا يعيبه شيء فلماذا يرفضانه، ويوافقاني على ذلك؟، إلى أن اقترب يوم زفافي، حيث لم يبق له إلا يومان، هنا بدأت بتهديد أهلي، وأخبرتهم إن أرغموني على الزواج منه فسأنتحر، فخافوا عليّ، خاصةً عندما بدأت نفسيتي تتدهور، فقام والدي بالتحدث إلى خطيبي، وأخبره بأننا نريد تأجيل الزواج لأنني مريضة وأصبت بالعين، صدم خطيبي بهذا الخبر، خاصةً مع التجهيزات والأموال الطائلة التي دفعت لإتمام حفل الزفاف، لكن عندما علم بأنني مريضة لم يعترض، وبالفعل أرسلت لكل الأشخاص الذين دعوا لحفل الزفاف رسائل عبر الجوال بإلغاء الحفل».
وتكمل عبير: «بعد هذه الرسائل جاءتني اتصالات هائلة، لكني أغلقت هاتفي، لمدة أسبوعين، وأثناء هذه المدة طلبت من أهلي أن يخبروه برفضي له، وبأنني لست مريضة، لكن والدي رفض، وطلب مني أن أخبره بنفسي، وبالفعل قمت بإخباره، وهنا صدم خطيبي وصرخ في وجهي وقال لي «لماذا لم تخبريني بذلك من أول شهر في خطبتنا؟ ما الذي حصل؟ وما هي الأسباب؟»، وإلى اليوم لا يعرف هو، ولا أي أحد، السبب الحقيقي لرفضي الزواج وهروبي من ليلة زفافي!».

والدة عبير تبرر:

تبرر والدة عبير، إرغامها ابنتها على الزواج من خطيبها لأسباب عديدة، فتقول: «هو شاب محترم ذو منصب مرموق، متعلم ومن عائلة محترمة محافظة، وهذه الصفات قلما نجدها الآن في هذا الزمن، لذا تمسكت به كثيراً، وحاولت أن أجبر عبير على الزواج منه، لأنني مدركة ومتأكدة من أنها ستسعد بقربه، لكن بعدما بدأت عبير بالانهيار والبكاء عدة مرات، لنت معها لأنني لا أريد أن تصاب بخطب ما لا تحمد عقباه، لذلك وقفت إلى جانبها، لكن أردت أنا ووالدها أن تخبره هي برفضها، وأن نخرج نحن من الصورة، وبالفعل تم الانفصال»

هربت من الزواج بعد مكالمة مطوّلة:

وتخبرنا هديل عمار (27 سنة)، معلمة، أنها هربت من الزواج قبل أسبوعين فقط، بعدما قامت بحجز قاعة الأفراح ودفع مبالغ طائلة تفوق المائة ألف ريال، وعن سبب هروبها تقول هديل: «من عاداتنا ألا نعقد عقد النكاح إلا قبل يوم الزواج بثلاثة أيام، أو أسبوع على الأكثر، وألا أرى خطيبي إلا يوم النظرة الشرعية، وغير ذلك لا يجوز بحسب عاداتنا وتقاليدنا، لذا لم أكن أعرف عن خطيبي إلا كما يعرفه الناس بأنه موظف ووسيم والمظاهر الخارجية فقط، أما بالنسبة لأخلاقه فلم أكن أعلم عنها شيئاً بسبب عدم تواصلنا، فاقترحت على أهلي أن يتواصل معي قبل موعد الزفاف بأسبوعين، وبالفعل وافق أهلي بسبب قرب موعد الزفاف، وتمت بعض الاتصالات المطولة بيننا، التي اكتشفت من خلالها اختلافنا في كل شيء، واكتشفت أيضاً انفعاله وعصبيته الزائدة وغيرها مما نفرني منه، وبسبب هذه الأمور خفت من الارتباط به، وقررت أن أرفضه، وأهرب من هذا الزواج، فأخبرت أهلي بقراري، فما كان منهم إلا أن لاموني على هذا القرار، واتهموني بأنني طائشة، كما ندموا على سماحهم لي بالاتصال معه، وحاولوا إرغامي على الاستمرار معه، لكنني قمت بتهديدهم، وأخبرتهم بأنهم لو أصروا على ذلك فإنني سأرفض أمام الجميع عند كتابة العقد، وسأضعهم في موقف محرج، فخاف والدي من الناس والفضيحة، وبالفعل أخبر والدي خطيبي برفضي للزواج».

ما زلت أعاني.. ولا أسامح ابنتي:

أما والدة هديل، فترى أن ما صنعته ابنتها كان خطأً كبيراً، وهي إلى هذا اليوم غاضبة منها، وبأن ما أقدمت عليه لا يوافق عاداتهم وتقاليدهم، وأن ابنتها وضعتهم في موقف محرج تعاني منه إلى الآن، فعندما تدخل إلى تجمع نسائي على نطاق العائلة، أو حتى على نطاق المعارف، فجميع النساء يتمتمن ويشرن إليها، لأن ابنتها رفضت الزواج قبل فترة بسيطة من موعد الزفاف، إذن لا بد من وجود خطب ما فيها.. فغالباً في مثل مجتمعاتنا يكون اللوم على الفتاة وليس على الرجل، لذلك هي لا تسامحها، كما أن ابنتها عانت من ذلك، فلم يطرق بابها أحد منذ ذلك الوقت، وهذا كله بسبب خوفهم من أن تفعل بهم كما فعلت سابقاً.

هربت من الزفاف إلى بيت خالي!

وتروي عفاف المحمد، قصتها فتقول: «أبلغ من العمر الآن 29 عاماً، وعندما كان عمري 17 عاماً تقدم لخطبتي ابن عمي الذي كان كثير من الناس ينفرون منه، لكن لأنه ابن عمي لم يرفضه والدي، بحجة أن الرجل عندما يتزوج يتغير وينصلح حاله، فرفضته أشد الرفض، وكانت والدتي تقف إلى جانبي، لكن والدي أصر، وقال إن الرجل مهما عمل لا يضره شيء ولا يعيبه إلا جيبه، وابن عمي ممتلئ الجيب، فهو وريث لعمي التاجر المعروف في منطقة الشمال، وبالفعل تحدد يوم عقد النكاح الذي وافقت عليه رغماً عني، وتحت ضغط والدي، وبعدها تحدد يوم الزفاف الذي كان بعد شهر واحد من عقد النكاح، وقبل الزفاف بيوم واحد فقط، قررت الهرب من المنزل والذهاب إلى خالي شقيق والدتي، الذي علم بأمر إرغامي على الزواج، ولأن خالي معروف ولديه كلمة مسموعة من أهالي المنطقة استقبلني، وقد اتصل بوالدي، الذي علم بعدم وجودي في المنزل، فقام بالبحث عني في مناطق عديدة وسط التكتم على هربي، وبالفعل حضر والدي وقام خالي بمناقشته، وأخبره بأن إرغامي وإكراهي على الزواج يسبب عدة مشاكل ويؤدي إلى الهرب. وهذا ما حصل معي، لكن والدي لم يقتنع إلا بعد جهد جهيد، وبعد تدخل العديد من الرجال لنصحه، إلى أن وافق ورفض ابن عمي، وأخبره بعدم قبولي له، وبأنه أرغمني على ذلك، مما جعل بيننا وبين بيت عمي قطيعة ما زالت مستمرة إلى الآن».

أم عفاف تقف إلى جانب ابنتها:

أم عفاف، امرأة متعلمة ومثقفة، تعمل في قطاع التعليم، تقول عن تجربتها: «منذ بداية الاستعدادات لهذا الزواج كنت رافضةً هذا الخطيب، وتألمت كثيراً عندما أرغم زوجي ابنتي عفاف على ابن عمها سيئ السمعة، وكنت دائماً صامدة أمام والدها، فما كففت عن الرفض، وما مللت من إقناعه بالعدول عن رأيه، لكنه للأسف لم يلقِ لي أي بال، فقد كان لا يريد إغضاب أخيه، ويطمع في ثروته، وكثيراً ما كنت أتجادل معه إلى أن قرب موعد الزفاف، فأشرت على ابنتي بأن تهرب إلى منزل خالها، الذي أطلعته على تفاصيل هذا الزواج، فقام على الفور بالوقوف إلى جانب ابنتي، ولله الحمد تم فسخ هذا الزواج الذي لم يتم أساساً».

حفظ حق المرأة:

يقول الداعية الإسلامي الشيخ محمد الماجد، إن الإسلام كفل حق المرأة، ويضيف: «للأسف نرى أنه ما زال بعض الناس لديهم عادة الإجبار على الزواج، وهذه عادة مخالفة للشريعة، لذا يجب على الناس الابتعاد عنها وتركها، وعلى ولي المرأة أن يتقي الله، ولا يجبرها على الزواج ممن لا ترغب فيه، فإن ذلك يؤدي إلى مفاسد عديدة، فالإجبار والإكراه على الزواج من دون رضا المرأة لا يجوز، فالشريعة الإسلامية جاءت بحفظ حق المرأة في الموافقة والرضا عمن تقدم خاطباً لها، فالثيب تستأمر بحيث تكون موافقتها صريحةً بكلامها، والبكر تستأذن، وإذنها يكون في صمتها، فسكوتها علامة للرضا ولعدم الاعتراض».

تهميش المشاعر:

وعن أسباب إقدام الفتاة على رفض الزواج قبل إتمامه بأيام قلائل رغم موافقتها عليه، يقول أستاذ التغير الاجتماعي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور عبد العزيز الغريب: «قد يكون سبب هروب الفتاة من الزواج هو أنها في الأصل لم تستشر في اختيار الزوج ذاته، أو أنها وافقت تحت ضغط أسري كبير ثم شعرت بالندم، أو أحياناً وأثناء فترة الخطوبة حصل اتصال بين الخطيبين، واتضح للفتاة بعض سلوكيات وتصرفات الخطيب، أو عدم قبول نفسي، فقررت إفشال عملية الزواج».
ويشير الدكتور عبد العزيز إلى أن هروب الفتيات وانعزالهن عن أسرهن يعد ظاهرة اجتماعية تعاني منها معظم المجتمعات، وهي في ازدياد نتيجة لعوامل داخلية وخارجية تتعرض لها الأسرة، لذا فإن للمجتمع دوراً مهماً في الحد من انتشار هذه الظاهرة، وذلك بممارسة دوره الوقائي والعلاجي من خلال مؤسساته التربوية والإعلامية والاجتماعية والأمنية.
وتطرق الدكتور الغريب إلى أن تهميش المشاعر العاطفية في الوسط الأسري وجو الجفاف الذي يحيط بعلاقة أفراد الأسرة، يعد حافزاً لدفع الفتاة إلى التعلق بأي بدائل يخيل لها أنها تحقق الإشباع العاطفي خارج الأسرة، إضافة إلى الكبت والحصار والتضييق الذي يفرض عليها تحت ذريعة الوصاية، يؤدي إلى ما هو أعظم ألا وهو هروب الفتيات. ويشدد الغريب على أهمية تكثيف البرامج الإرشادية للأسر في أساليب التربية الصحيحة، ومحاولة توعية الفتيات في المدارس عن طريق المحاضرات والندوات الدينية، والقنوات الإعلامية الهادفة التي تركز على النواحي الفكرية والدينية، كما أن على الأسرة، خلق روح الحوار، والإصغاء داخل الأسرة، وغرس الوازع الديني لدى الفتاة، وإشباع حاجة الفتاة للاعتراف، والقبول، والاحترام من قِبل أسرتها، وأن تقبلها الأسرة كما هي، وليس كما يرغب الوالدان أن تكون، والإحساس بكيانها والثقة بقدراتها، وتنمية اتجاهاتها منذ النشأة الأولى على ضرورة المشاركة في الحياة الاجتماعية والعامة.

0 commentaires:

إرسال تعليق